في ظل الانقسام الشعبي الذي تشهده مصر وجب توضيح عدة نقاط فيما يخص طبيعة الصراع الحالي ومسألة فض اعتصامات مؤيدي مرسي و”الشرعية“:
لا يقلل منتقدو استخدام السلطات السيادية للقوة المفرطة وانتهاكها لحقوق الإنسان، من شأن التحديات التي تواجهها البلاد. وإن فضت قوات الشرطة اعتصاماً فعليها أن تكون مدعومة بأمر قضائي مبني على أدلة – كاحتواء الاعتصام على أسلحة مثلاً – وليس أن تفض الاعتصام بانية ذلك على تلفيقات بهدف تنفيذ رغبة مبيتة. وإن فعلت ذلك عليها أن تقوم بذلك دون إراقة دماء المواطنين، لأن الشرطة ليست جهة قضائية، ولا يحق لها الحكم بالإعدام على من تشتبه بهم. أما الذين يخشون عواقب ما يرتكبه الإخوان من تجاوزات وتصعيد فسيردون بالقول ”إن الشرطة تضطر لذلك ولا يمكنها القيام بمهام خطيرة بدون تمكينها من القيام بعملها بعيداً عن ملاحقات دعاة حقوق الإنسان“. الواقع أن الحقوقيين لا يطالبون بتقويض الشرطة أو كسر هيبتها، بل يطالبون بأن تقوم بدورها بكفاءة، بأقل الخسائر وأعظم النتائج الإيجابية الممكنة (للحلول العملية، أنظر/ي "المبادرة الوطنية لإعادة بناء الشرطة").
يرى البعض أن هذه "حرب على الإرهاب،" ولذلك فإن كل شيء فيها مباح، بما في ذلك قتل العشرات بالجملة. وهنا وجب التنويه أن مصطلح "الإرهاب" مطاط. قد يشمل مجرمين وأبرياء وقد يشمل الحكام والمحكومين، إن أخذنا في عين الإعتبار المعنى الحرفي للترهيب والترويع. كما أن هذا المصطلح سيئ السمعة استخدمته السلطات الأمريكية وحلفاؤها، وقتل باسمه الكثير من الأبرياء حول العالم. واحتل العراق عام 2003 باسمه مما أنتج موجة من العنف لم تنته حتى اليوم. وباسم الحرب على الإرهاب قصفت القوات الأمريكية عرساً في الفلوجة في 2004 فقتلت العريس وأصابت العروس، وقصفت عرساً آخر في قندهار في 2008، فقتلت 40 مدنياً بينهم نساء وأطفال. لم ينتج عن ”الحرب على الإرهاب“ إلا حلقة مفرغة من العنف ودائرة من الظلم والانتقام. كما فشلت بدورها منفي تحجيم العنف، لأنها لما تعالج المشاكل من جذورها.
لكن هذه ليست دعوة للسكوت على المخاطر والانتهاكات التي تنطوي عليها اعتصامات ”تأييد مرسي“، والتى وردت عن شهود من صحفيين ومراقبين مشهود لهم بالاستقلالية. تتلخص تلك الانتهاكات كالتالي:
1- وجود أسلحة بين صفوف مؤيدي مرسي وضلوعهم في اشتباكات مع الأهالي، خاصة في محيط اعتصام النهضة، مما أسفر عن سقوط ضحايا. من الذين شهدوا بذلك، الدكتورة ليلى سويف، العضوة بحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، ونجلها الناشط علاء عبد الفتاح. لقد تحدثا عن تعرضهما لضرب نار من قبل مؤيدين لمرسي فجر 23 يوليو، و شاهدا سقوط الضحايا من بين الأهالي أثناء اشتباك واسع دام ساعتين. يزعم الإخوان أن من يشتبكون معهم هم "بلطجية" – وهنا يجب طرح تساؤل حول تعريفهم لمصطلح "بلطجية." حسب ما قالته د. ليلى سويف لكاتبة هذه السطور، فإن الإخوان مغيبون عن الواقع في رفضهم الإعتراف بأن الكثير من أهالي المناطق المجاورة للإعتصام مناهضون لجماعة الإخوان أو رافضون للاعتصام لأنه يشكل خطراً على أرواحهم (سواء جاء الخطر من المعتصمين أو من مندسين بينهم، فالنتيجة واحدة)، والأمر هنا يختلف عن مجرد تعطيل لعجلة الإنتاج أو أكل عيش أصحاب المحلات التجارية في محيط الاعتصام، كما كان الحال في التحرير سابقاً. هذا لا يعني عدم وجود تابعين لأجهزة الأمن يهاجمون أنصار مرسي - بل يوجد بلطجية مأجورون، ويوجد أيضا أهالي رافضون للاعتصام، كلاهما اشتبك مع المعتصمين في عدة حالات.
أما عن اعتصام رابعة فهناك شهادات تفيد احتوائه على أسلحة ولو أنها أقل من الشهادات التي تدين اعتصام النهضة. فمثلاً كتب الصحفي البريطاني روبرت فيسك في الإندبندنت أن من دله على مكان المستشفى الميداني برابعة كان يحمل بندقية كلاشينكوف.
2- يتفق الكثير من الشهود حول اتهام أنصار لمرسي بالقيام بعمليات تعذيب داخل اعتصامي النهضة و رابعة، بل إن الكثير من المعتصمين أنفسهم يعترفون بقيامهم بالقبض على "بلطجية" ومعاقبتهم. أشارت منظمة العفو الدولية على موقعها ”إلى أدلة على ضلوع مؤيدين لمرسي بعمليات تعذيب“. وكتب الناشط أحمد حسنين عن اعتصام رابعة الذي زاره أكثر من مرة: ”تم تقديمي لأحدهم حدثني عن البلطجي ”كما وصفه“ والذي أسروه واحتفظوا به لساعات، حدثني أنه لم يشعر بأي آلام للضرب الذي تعرض له منهم، تم إعلامي أن من يمسكونه من البلطجية يكسرون له الساق من عند الكعب وأحد عظام مفصل الركبة والترقوة (اعاقة لفترة لا تقل عن 6 شهور) وينقل للمستشفى الميداني ليخرج فى سيارة إسعاف وكأنه أحد مصابي الإخوان".
البعض يقول إنه إذا كان أنصار مرسي الآن يرتكبون انتهاكات فالثوريون ارتكبوا انتهاكات على مدار العامين والنصف السابقين. هذه المقارنة لا تستقيم لأن مظاهرات "الشرعية" ينظمها ويقودها جماعة منظمة، حتى ولو شارك فيها غير إخوانيين؛ قادة الإخوان هم أصحاب القرار النهائي فيما يخص مصير الإعتصام والمسيرات التي تجئ منه وإليه. وحراك تأييد الشرعية يختلف عن الحراك الثوري الشبابي الذي لم تكن له قيادة موحدة، طالما حاول النخبويون الركوب عليه. فمثلاً في نوفمبر 2011 قام شباب محمد محمود بطرد ممدوح حمزة وغيره من رموز ما يسمي بالتيار "المدني" من الميدان؛ في المقابل لم يحدث أبداً أن قام قواعد الإخوان أو من معهم بطرد أي من قيادات الإخوان المثيرة للجدل من رابعة أو النهضة.
وعليه لا يمكن تبرير ما يفعله الإخوان اليوم (مثل قطعهم للطرق أو اعتدائهم على منشآت عامة وخاصة مثل حديقة الأورمان ومدينة الإنتاج الإعلامي) من منطلق أن "الثوار فعلوا الشيء نفسه قبل ذلك". لا يجوز الادعاء بأن "الثوار" بشكل تعميمي كانوا قد أغلقوا مجمع التحرير أو قطعوا الطرق لأن الثوار ليسوا كياناً واحداً وما فعلته إحدى فصائلهم المشذرمة فى وقت معين ليس ممثلاً عنهم جميعاً. الأولتراس، والاشتراكييون، والبلاك بلوك، و6 إبريل، وغيرهم: كيانات غير موحدة طالما اختلفت مواقفها حول أمور عدة، فمثلاً عندما قامت قلة بغلق المجمع في 2011 هاجمهم باقي الثوار. و أثناء أحداث محمد محمود كان شباباً ثوريون آخرون يذهبون للشباب الغاضب ليناشدوهم بالتراجع قائلين لهم أنه لا ينتج عن تلك المواجهات في النهاية إلا موت الشباب واستمرار النظام في بطشه. أما البلاك بلوك، فوجهت إليهم انتقادات كثيرة من قوى ثورية أخرى، قالوا لهم "معركتنا مع النظام و ليست مع الأهالي الذين يدفعون ثمن تصرفكم الخاطئ،"و مؤخراً، عندما أهان معتصمون بالتحرير الشيخ محمود شعبان، هاجمهم الكثير من الثوريين مثل نوارة نجم وغيرها (وإن ثبت تكرار ذلك السلوك في التحرير و تحوله لأمر ممنهج فيجب رفض إعتصام التحرير وفضه أيضاً). وفي النهاية فإن الخطأ لا يبرر بخطأ: إن كانت قطاعات من الشباب الثوري أخطأت في أمور معينة فذلك لا يبرر اعتداءات الإخوان التي فاقت أي تعد قام به ثوريون.
كما أن تصنيف الصراع الحالي بين الإخوان والجيش كصراع بين الثورة ونظام مبارك فيه خلل. أثناء الثورة الحقيقية كانت القوى الثورية الشبابية متحدة حول هدف – بعكس الوضع الحالي الذي يشهد انقساماً وتناحراً لقيادات نخبوية حول مصالحها وهو أن: نظام مبارك الذي لم يسقط من 2011، هو نظام فاسد وسلطوي وظالم. هذا ما عرفناه على مدار ثلاثين عاماً. وفي العامين السابقين عرفنا الإخوان أيضا ككيان سلطوي، له قيادات لا تتورع عن مهادنة رموز نظام مبارك من أجل مصالحها ولا تتورع عن ارتكاب جرائم من أجل كراسي الحكم. هم الآن يريدون مصالح القيادات والتنظيم، وليس الشرعية أو الديمقراطية كما يدعون، فلو كان الرئيس الذي سقط في 30-6 غير إخواني لما حرك الإخوان ساكناً. مرة أخرى، هذا ليس تبريراً لقتل أبنائهم من قبل السلطات، وهو أمر غير مقبول، لكنه توضيح لأسباب عدم الإنحياز إن اقتتلت طائفتان سلطويتان. الانحياز الواجب هو للحق: الإخوان بكبرهم أوصلونا للوضع المأسوي الذي نحن فيه الآن. أبناء الإخوان متورطون في اعتصامات مشبوهة متهمة بوجود تعذيب بها، إضافة إلى الأسلحة في النهضة.
لو أدرك الإخوان أنفسهم للمصلحة العامة، بل و مصلحة الثورة، لكانوا قد فضوا هذه الإعتصامات، التي تروع الآمنين وتنم عن استهانة بالشعب. فتغذي التعاطف مع الجيش والداخلية كقوة محسوبة على نظام مبارك، مما يزيد من كراهية قطاعات من الشعب في ثورة يناير نفسها ويصور لديهم أن سلطوية مبارك كانت ضرورية. أما من يشاركون الإخوان اعتصاماتهم من غير الإخوانيين فهم يورطون أنفسهم تحت لواء قيادات تزداد ظلماً وبطشاً عندما تجد من يسمع و يطيع. الطريق الوحيد الخالي من الشبهات هو الاستمرار في مناهضة أي انتهاكات من قبل مَن في السلطة، مع الاستمرار في مناهضة سلطوية وجرائم قيادات الإخوان وحلفائهم، والمطالبة بتحقيق دولة القانون التي لا يوجد بها دول داخل الدول و كيانات سلطوية لا يعلم الشعب عن تمويلها وتنظيمها شيئاً، سواء كانت هذه الكيانات جماعة أو جهة سيادية كالجيش أو أي كيان مهما كان.